منذ منتصف مارس آذار عام 2011 والمدن السورية تخضع لديناميات عالية من التغيّر والتحولات، والتي نالت من جملة التكوينات الاجتماعية المحلية وحتى من بيئاتها الجغرافية. وبقدر ما تبدو السيرورات الثورية في المدن السورية المختلفة متشابهة وتتقاطع في العديد من النقاط والتفاصيل، إلا أن الدراسة العيانية لكل مدينة على حدى، تظهر التمايزات والخصوصيات التي تجعل لكل مدينة سورية حكايتها وتفاصيلها الخاصة، وهو أمر من الصعب الكشف عنه من دون الغوص في تفاصيل الحكاية.
جاء مشروع "مدن في الثورة السورية"، ليروي الحكاية ويجعلها بمتناول الباحث المجتهد والساعي لإنتاج معرفة (بحث، فيلم، إنفوغرافيك، حلقات إذاعية) بما يجري في المدن التي كانت ميدان بحثنا(السلمية، القامشلي، دير الزور، بانياس، درعا، الزبداني): كيف خرجت أول مظاهرة؟ من قام بها؟ وكيف تعامل الأمن معها؟ وكيف تطور الحراك من الداخل حتى وصل ذروته ثم انحساره، ولم انحسر؟ ومتى سقط أول شهيد؟ ومتى تم التفكير بالسلاح، ولم؟ وأية دوافع دفعت الناس لحمله لاحقا؟ ودور العوامل الخارجية؟ وما هي مجموعات المجتمع المدني والكتائب العسكرية التي تشكلت في هذه المدينة، وما هو الدور الذي قام به كل منها؟ وكيف انحسر المكون المدني لصالح الإسلامي في بعض المدن؟ وكيف ولد الإرهاب؟ وكيف حال المدن الآن؟
لتحقيق ما سبق، تم وضع مخطط بحثي خاص لكل مدينة ليرسم خطوات العمل، ثم تم اختيار مجموعة مجتمع مدني موجودة داخل المدينة، وحين تعذر ذلك، تم تشكيل فريق عمل ميداني، مهمتهم الأساس جمع المعلومات وتسجيل الشهادات وتصويرها مع النشطاء الذين كانوا مشاركين في الأحداث أو على مقربة كافية منها، ليتم تفريغ الشهادات وتبويبها، لتكون المصادر الأساسية لعملنا، فيما كان المصدر الثاني المراجع المكتبية والالكترونية بما فيها مقاطع الفيديو، والتي تم مشاهدة عدد كبير منها وتسجيل الملاحظات، واعتمادها كإحدى المصادر الثانوية.
بعد جمع المعلومات عن كل مدينة، تم وضع كل ما سبق بين يدي: (1): الباحث الذي أنتج بحثا علميا معمقا، مكتوبا بصيغة الحكاية، بعد أن قارن الشهادات المجموعة من قبلنا مع عدد من المصادر، ليعتمد الرواية التي كانت أقرب إلى إجماع الشهود.(2) المخرج: الذي أنتج فيلما عن كل مدينة. (3): مجموعة عين التي أنتجت انفوغرافيك يسرد بطريقة رقمية إحصائية أهم الأحداث، ويوثق أغلب المجموعات المدنية والعسكرية التي تشكلت. (4) الإذاعة: التي أنتجت حلقات إذاعية عن كل مدينة، إضافة إلى الصور والشهادات القادمة من تلك المدن.
في عملنا هذا، لا ندعي الحيادية والموضوعية المطلقة، فالفريق القائم على العمل منحاز منذ البداية إلى الثورة السورية، وجميع الشهود الذين تم الاستماع إليهم من المعارضين لنظام الأسد، ورغم ذلك سعينا بقدر ما استطعنا إلى معالجة، ومن ثم عرض، ما توصلنا إليه من حقائق بأقصى ما يمكن من موضوعية تفرضها خطوات البحث العلمي، دون أن ندعي تقديم الحقيقة كاملة، فنحن جزء من كل، يسعى لسد ثغرة، ولو طفيفة، في رصد وتوثيق مجريات الأحداث التي تضج بها سورية.
ختاما، لابد من توجيه رسالة شكر، إلى شهودنا الشجعان، الذين لم يبخلوا بوقتهم أو جهدهم في سردهم لساعات طويلة لحكايتهم، وحكاية مدنهم الثائرة ضد الطغيان. لهم ولجميع من ساهم في إنجاح هذا المشروع، نحن مدينون بالشكر.